ردا على إدعاءات اللواء علي محسن أنت لم تكن الرجل الأول ولا الثاني و… كما تدعي !!
يمنات
بعد الاطلاع والتمعن والتدقيق في ثنايا ومضامين الكثير من نصوص ردود اللواء المتمرد علي محسن (الحاج داده) أو (الأحمر) كما هو شائع في المقابلة التي أجراها مع صحيفة الجمهورية بتاريخ 26/9/2012م، لم يكن أمامي إلا الخوض قليلا في بعض أهم هذه النصوص، باعتبارها وثيقة مهمة تعزز لدي القناعة في الكثير ما ذهبت إليه في أطروحاتي بهذا الشأن (من فمك أدينك)، في محاولة منا للمساهمة في تصحيح الكثير من المفاهيم والمفردات والمسارات والاتجاهات التي درج الرأي العام على تناولها كأنها حقائق دامغة في أرض الواقع، أعمل عليها من أكثر من 16 شهرا الماضية من خلال عشرات المقالات التي أعكف عليها بهذا الشأن، في اتجاه المشاركة في وضع أول الأحجار في مهمة عظيمة لكتابة أول أسطر التاريخ اليمني المعاصر.
وهو الأمر الذي يمكن إعادة صياغة وبلورة بعض أهم معالمه الرئيسة في اتجاهين أساسيين، يتمحور الاتجاه الأول حول تفنيد ادعاءاتك (تكذيبها ونسفها من جذورها) يتعلق بالجانب (الصفة) الرسمي بالقول أنك لم تكن الرجل الاول ولا الثاني ولا الثالث ولا… في تسلسل تحمل المسئولية، من خلال ثلاثة محاور رئيسة على أقل تقدير الأول يتعلق بالصفة العسكرية، حيث لم تكن القائد العام للقوات المسلحة ولا نائبه ولم تكن وزيرا للدفاع أو رئيسا لهيئة الأركان العامة و لا حتى ضابطا في قيادة هيئة الأركان العامة أو في قيادة القوات المركزية (برية، جوية، بحرية)…الخ، بل كنت ومازلت ضابط من ضباط الجيش مكلفا منذ فترة بمهام قيادة أحد الفرق العسكرية (الفرقة أولى مدرع) وقيادة أحد المناطق العسكرية (المنطقة الشمالية- الغربية)، حتى مجلس الدفاع الأعلى كنت مجرد ضابط فيه وهكذا.
في حين يتعلق المحور الثاني بالصفة السياسية، حيث لم يكن لك أية صفة سياسية تتحمل من خلالها مسئولية ومهام بعينها، فأنت لم تكن رئيسا للدولة تم تعينك من قبل ممثلي الشعب أو انتخابك من قبل الشعب طوال الأربعين عاما الماضية، ولم تكن نائبا للرئيس لأن هنالك أشخاص أخريين شغلوا هذا المنصب هم على سبيل المثال (…، الأستاذ الشهيد عبد العزيز عبد الغني 1980-1983م،…، الأستاذ علي سالم البيض 1990-1994م، المشير عبده ربه منصور 1995-2011م)، أو رئيسا للحكومة أو رئيسا للسلطة التشريعية (النواب والشورى) أو السلطة القضائية، وهكذا.
أما المحور الثالث فإنه يتعلق بالصفة الحزبية، حيث لم يكن لك أية صفة حزبية تذكر تتحمل من خلالها مسئولية ومهام بعينها يعتد بها في هذا الشأن، فأنت لم تكن رئيسا للمؤتمر الشعبي العام (سابقا) أو لحزب المؤتمر الشعبي العام (لاحقا) الحاكم في اليمن (1982-2011م) وغيرها من المسميات أو حتى لتكتل المعارضة فرسميا أنت لا تنتمي إلى أية حزب سياسي، وبصورة غير رسمية فأنت لم تكن ومازلت إلا عضوا قيادي في حزب الإصلاح وحركة الاخوان المسلمين تتحمل مسئولية جناحها العسكري منذ عقد السبعينيات.
في حين يتمحور الاتجاه الثاني حول الجانب غير الرسمي بالموافقة قلبا وقالبا على ما تدعيه بهذا الشأن؛ بأنك كما تدعي كنت بالفعل على أرض الواقع بصورة غير رسمية تتحمل مسئولية الرجل الاول عند تقتضي الضرورة ذلك، والثاني في الأوقات العادية، وهذا أمر يجب أن نعيد مناقشته بشكل موضوعي كي يأخذ حقه من التقييم والتقويم، فالقول بأنه كان يقوم مقام الرجل الثاني في النظام السياسي برمته بالرغم من إنك رسميا كما أوردناه آنفا لم تكن سوى ضابطا عسكريا بين عشرات الضباط يحملون نفس المسئولية التي تحملها- أولا.
هو أمر له ما يثبته من دلائل تاريخية لها شأنها في أرض الواقع كشفنا عن أدق تفاصيلها في العشرات من المقالات المنشورة لنا من على صدر الصحافة الالكترونية- وفقا- للمعادلة الداخلية الحاكمة على مقاليد الأمور في المشهد الداخلي والسياسي منه- بوجه خاص- في الفترة الواقعة بين عامي (1978-1989م) و(1994-2011م) التي أل فيها الجزء الأكبر والمهم من مقاليد السلطة إلى أيادي العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) وشركائه، كامتداد لما ألت إليه وضعية التيار التحديثي التحرري من انتكاسة حقيقية في الفترة الواقعة (1967- 1974م) جراء تخلي مصر عن دورها المحوري في اليمن لصالح السعودية- وفقا- للمعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية .
وبالاستناد إلي ذلك يسعنا القول إنك في الوقت الذي كنت بالفعل الرجل الثاني – وفقا- للدلائل التاريخية بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع كلا من الشيخ عبدالله الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني ممثلي التيار القبلي والديني، فإنك في نفس الوقت تمارس صلاحيات الرجل الاول في أغلب الأحيان بصورة غير رسمية؛ جراء هيمنة التيار التقليدي على الجزء الأكبر والمهم من مقاليد السلطة، وهذا ما أكدته العبارة المشهورة للرئيس السابق علي الصالح في حديثه مع ملك السعودية بعد خروجه من المستشفى عقب الحادث الإرهابي الذي استهدفه وثلة من رفاقه في جامع دار الرئاسة (نحن لا نحكم ولا نسيطر بل ندير).
إلا أنه في نفس الوقت- أيضا- لم يكن لك أية أدوار ومهام تذكر تتعلق بإدارة حيثيات الملف الداخلي والسياسي أو الخارجي، أي بإدارة شئون الدولة والمجتمع على الصعيدين الداخلي والخارجي بكل ما تعنيه هذه العبارة من معاني ودلالات لها شأنها، أما عن السبب الرئيسي الكامن وراء ذلك فهو أنك تمارس هذه الصلاحيات وتنال كافة الامتيازات التي لم يكن يمتلكها الرئيس نفسه بدون أية صفة رسمية تؤهلك لذلك ليس هذا فحسب، لا بل ودون توفر أية قدرة واستعداد منك على تحمل عبئ وتبعات مسئولية هذا الموقع شكلا ومضمونا، بالرغم من امتداد فترة نظام الرئيس الصالح إلى ثلاثة عقود ونيف.
بصورة نصل بموجبها إلى نتيجة نهائية هي الأكثر واقعية في تفسير إدعاءاتك- وفقا- لمثل هكذا أطروحات، وهي في الأساس بمثابة حقيقة دامغة من الحقائق التي يعج بها الواقع اليمني مفادها إنك كنت تشغل منصب نائب رئيس الحكومة السرية التي تدير البلاد من سراديب تحت الأرض- وفقا- لما تقتضيه مصالح حلفائها الإقليمين والدوليين بالدرجة الأساس ومن ثم مصالح عناصرها، وهو بالدرجة الأساس منصب شكلي يغلب عليه الطابع الإشرافي الرقابي ليس إلا، والسبب بسيط جدا لان هذه الحكومة في الأساس تدار من داخل دهاليز اللجنة الخاصة (السعودية) المعنية بإدارة الشأن اليمني بصورة رسمية وغير رسمية منذ مطلع عقد السبعينيات.
في حين أن القول أنك كنت الرجل الأول عند الضرورة فهذا أمر مبالغ فيه جدا إلى حد كبير، سيما في حال كنت تقصد بهذه العبارة ما حاولت إيصاله وترامى إلى أذهان الكثيرين بأنك بالفعل كنت تمسك وتدير حيثيات الملف الداخلي والسياسي منه- بوجه خاص- عند الضرورة، وهذا أمر مستحيل لأمرين الأول لأنه منصب سياسي يشغله عشرات هذا إن لم نقل مئات من العناصر بصورة رسمية في النظام والحكومة على رأسهم رئيس الجمهورية، وأنت مجرد ضابط في القيادات العسكرية الوسطى لا تمتلك أية منصب سياسي وحزبي وعسكري يؤهلك لذلك أو حتى للمشاركة أو المساهمة فيه.
والأمر الثاني أن قدراتك الذاتية لإدارة أزمة سياسية ووطنية حقيقية داخلية كانت أو خارجية مجهولة لا بل ومستحيلة حيث لا توجد أية دلائل تاريخية تدعمها من قريب أو بعيد، لان قدراتك محدودة جدا وهذا هو السبب في رأي إنك لم تتسلم أية منصب عسكري أو سياسي رفيع طوال الفترة كلها، أما إذا كنت تقصد بذلك ما لعبته من أدوار عسكرية في معارك بعينها كنت فيها الرجل الأول صاحب القرار فيها فهو أمر ممكن، إلا أنه يمكن تفنيده- أيضا- بالقول أن هذه المكانة لم يحز عليها باعتباره قائدا عسكريا محترفا يدلل عليها سجله العسكري بما قدمه من خدمات جليلة واستثنائية للبلاد، بحيث يقع عليه الاختيار عند الضرورة لأداء المهام الصعبة، لكن الصدفة فقط هي التي كانت تلعب دورا محوريا في مرونة وانسيابية هذا الأمر دائما وتعززها أواصر الثقة التي تربطه برئيس البلاد، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الحروب التي خاضتها اليمن مع حركة التمرد الحوثية في الفترة (2004-2009م) كانت ضمن نطاق حدود مسئولياته العسكرية فهل يعقل أن تعهد قيادة المعارك فيها إلى قيادة عسكرية أخرى، لذلك كان بالفعل هو صاحب القرار فيها، ويسري ذلك على حرب الانفصال عام 1994م بصورة أو أخرى، بحكم امتداد حدود نطاق المنطقة الشمالية- الغربية وقربها من منطقة الحدث بصورة وفرت له حضورا مهما في المشهد العسكري..الخ، وللحديث بقية..
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.